نجاة
ابنة العشر سنوات حكمت على حياتي العادات والتقاليد فأجبرتني على الزواج مبكرا جدا ، لم يكن اهتمام ابي إلا المال الذي يحصل عليه جراء زواجي لعله يسد جوع بطون أخوتي القارص !
اما انا فليرعاني الله وليرعاني زوجي الذي يكبرني بثلاثين سنه أو يزيد الذي خط الشيب في رأسه ولا فرق بينه وبين ابي
كان اللوم لا يتعدى ابي وحسب بل يصل إلى هذا الرجل الذي رضي بطفله ان تكون له زوجه زوجة لعمره الذي فنى
أقبلت على حياتي الجديدة بلا رغبة مني ، لم أكن اعرف عن الحياة أكثر من همي لإكمال دراستي والنجاة من الجهل المحض في القرية التي أنا فيها وجاءت موافقة زوجي بعد عناء وعذاب وسهر ليالي في التوسل إليه
كانت أول الغيوم التي تغيثني رغم أني أصبحت أرض قاحلة بل في الحقيقة ولدت
أرض قاحلة في قرية قاحلة
بعقول متحجرة بقلوب لا تفقه شيء لا تعرف إلا نتانة الجاهلية والعصبية القبلية
لطالما حاولت ان اصلح أخوتي الصغار لكن فكر ابي أفسدهم قبل أن يصل كلامي لهم
ومضت الأيام البشعة بعمري الذي كنت اقاوم فيه ساعات ، لعلي أعيش السعادة في أدق تفاصيلها في احقر الأشياء واصغرها لم يكن زوجي معنفا لي لكنه كان فض اللسان قذر الفكر عديم الثقة والعلم جاهل لا يعرف من حقوق المرأة شي ، فكرة مدنس يقول بأن الآنثى منزلها قبرها ولا لها سواه ، وانا جعلتك تكملين دراستك فقط لانك تريدين فلتتعلمين ولتموتي بعلمك في جُحرك هذا الذي صنعته لك ، يقصد المنزل الذي أسكني إياه ، يرى في جسدي ما يشتهي ولا يرى في قلبي ما به من علل قد صبها فيه ولا يشعر بالأحزان التي غمرني بها
يحلف بالله ، ان الرجال قوامين على النساء دونما يفهم آية الله ، ويكمل قوله النساء ناقصات عقل ودين دونما يفهم حقيقة هذا الحديث ويدعم ادلته التي أولها كما شاء بقول النبي عليه الصلاة والسلام (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)
لم يكن يرى هو ومن امثاله في المرأة إلا الجسد والخدمة ولو زادوا ذلك قليلا لأقسموا أن للزوج حق على المرأة في عبادته
يدعون العلم والمعرفة وهم في الجهل قابعين اصل متأصلين فيه وجذورهم قد تدنست في أرض الجهل وعلقت به
أما غيري فقد عُنِفوا واستبد الظلم حياتهم حتى لم يعرفوا من لذيذ الحياة شيء
ثم مضت السنون وادعو انهم قد أصبحوا للعلم تابعين وللمعرفة طالبين ولحق المرأة عارفين
فاقتصدوا في عنفهم ودسوا فكرهم ، وقالوا الحب نيلنا الأسمى والحب مطلبنا وكل ما إليه نسعى
فظلموا بذلك القلوب ، وما احترموا ماكان للحب من حرمة
يخدع الرجل المرأة بالحب فتصدق ، ويظن الرجل أن لا للحب في الحقيقة مجال لأن الثقة بينهما في الأصل لم توجد فلا حب بلا ثقة هذا عوضا عن النظرة الدونية التي يرون بها تلك العاشقة التي هامت على قلبها دونما تدرك بعض مافي سريرة هؤلاء فاحتجوا حينما أرادوا الهرب من الحب
بقولهم : من خانت أهلها اليوم غدا لنا تخون!
ثم كلما تظن أن العقول استوعبت والمشاعر ارتقت والناس قد فهمت الرسالة ، والآنثى استوعبت الأمر
حتى تجد الكارثة تحل من جديد
وتأتي بوجه آخر ولكن الأصل هو الأصل
جاء الإسلام فكرم النساء وأعزهن فمن الصحابيات دليل على ذلك قاطع لا شك فيه وأحسن الحبيب المصطفى في التعامل معهن
فمن يظن أن الرجولة في إيذائهن ، فقد جهل الرجولة واستبرأت منه هي
فلا العنف إثبات لذات وحقيقة مفهوم الشهامة أو الرجولة أو فرض الرأي والسيطرة التي تنمي المحبة والمودة
ومن اعتقد ان كسر قلوبهن شجاعة فليتذكر أن الله يمهل ولا يهمل
وفي الختام الجهل الذي كان حتى الآن مازال ، وإن ادعينا غير ذلك إلا ان ما رُبي عليه المرء يطفو على السطح ولو بعد حين ، فإما إصلاحٌ حقيقي لسريرة المرء أو أن هذا السوء سيبقى والعقول بما فيها عاجلاً أم أجلا بهذه النتانة ستفنى وتُفنى بِها من حولها
فالصلاح الحقيقي من صدق مع نفسه أولاً وطلب ماجاء في الهدي المحمدي صدقا لا تصنعاً
ولو أن العالم كله سار على نهج المصطفى خير الناس
لعشنا هانئين مطمئنين وعلى ما تبعناه مأْجورين
أما نجاة ، فقد نجت وهي الآن الطبيبة التي تكتب إليكم هذه الكلمات لعلها تصل فيها إليكم بالرسالة
_بقلم حظية العمري