الأحد، 8 نوفمبر 2015

رحلت الكارثة التي تدعين

قبلة قد طبعتها على جبين الهواء ، ثم اتبعت تلك القبله احتضان طال به الوقت في اللاشيء
وبهدوء جلست على سريرها تحكي تفاصيلها المبهمة في أعماقها وتتحدث بكل عفويه تسفر عن تلك الطفلة القابعة في أعماقها اللتي ما إن تنظر إليها حتى تأسرك طفولتها  وجدائل شعرها ناعمة الملمس
وتلك الوجنتان التي اتخذت من بهجة السماء نصيب واما ابتسامتها فقد ورثة من بريق الفرح النصيب الوفير ، طفلة رغم إن العمر يخطو بها نحوه بشموخ 
لكنها مازالت طفلة الخيال التي تستلقي فيه على سحب الأحلام الملبدة بلون البياض والمصنوعة من قطن السعادة ، تحلق مرفرفة كلما شاءت الهرب من واقعها ، المكبله فيه بالهموم ، وما إن تطلع عليها  فيه حتى ترى إن الدموع قد اتخذت لها طريقاً على صفحات وجهها لا تسلك سواه ولا تضله أبداً اغتصب اليأس في داخلها كل الأمال فأصبحت ثاكله للأمل ، ويتيمة للحنان حتى ظنت أنها ولدت ابنه للحزن تتربي في حضنه ويحتضنها بعنف شاءت هي أم أبت ..!
هكذا اعتادت أن تفعل في كل مساء
تلك الطقوس التي تقيمها فلا يدرك أبعادها سواها 
أما من يراها  يقسم أن الجنون قد تربص بعقلها فسلبه !
وأن الخرف قد أتاها مهرولاً رغم إنها مازالت ابنه السابعة عشر ربيعاً وطفلة الخامسة في عالمها 
بعد إن جلست تتأمل قليلاً حائط غرفتها التي يسبح في بحر أحلامها ، فتعيش  فيه تلك اللحظا
 ، فهي حالمه ماهرة تجيد أن تجلب من حلمها ماتريد إلا السعاده فقد أبت ان تغادر خيالها فتعانق واقعها ، وتلامسه بأكفها لعله يرأف بها 
هاهي تتوسد سريرها الوثير وتلتحف بجوع الحب ، في داخلها نظرت إلى أعلى سقف غرفتها لبرهة ثم نظرت على يمينها وقالت بشغف : تصبحين على خير !
وهاهي قد غطت في نومٍ عميق ، وحينما استيقظت في الصباح طبعت القبله ذاتها 
ثم قالت بنعاس يداعب عينها ويتمرد على ملامحها : أعلم ..أعلم  ها أنا ذا سأستعد بسرعه 
وما إن آنتهت كلماتها حتى فُتحَ باب الغرفة بشده والتصق بالحائط من شدة القوة وأتاها صوت والدتها المحمل بويل الغضب : لقد تأخرت عن ذهابك للمدرسه ، يالاحظي السيء بك إنك حقاً مجنونة ، بل أقسم يقينا إن الجنون أفقدك عقلك تماماً ومازلت تتحدثين لوحدك  وكأن هناك من تخاطبينه ، كم عليا مره أن ألعن حظي السيء الذي أتى بك كومة من الجنون في حياتي !
ردت عليها حنان بعفوية : حسناَ لا تقلقين سأعدّ نفسي الآن عذراً على تأخيري ولكنّ الحديث إليها هو كوؤس من السعادة المجانية 
وهل هناك من يرفض هذا النبيذ بخيص الثمن في عالمي وغالي الثمن في عالمكم ، وأما انت فقد حرمتيه عليّا في شريعة حياتك ومنهج عالمك 
نظرت إليها والدتها بأعين هازئه بحال بها وغاضبه على حالها وحظها العاثر هكذا وقالت : أظنكِ حقاً مجنونة بل إنني أقسم على ذلك اذهبي ايتها المعتوه إلى مدرستك ، ليتني استطيعُ ارسالكِ إلى الجحيمْ ، كما فعل والدك بي 
وأتيتِ أنت لتكون الخطيئة التي لا تغتفر والذنب الذي تسودّ منه ملامحي 
أعدت نفسها حنان دون أن تعير تلك الكلمات السيافه بالاً فقد اعتادت على حدتها التي تمرر في كل يوم على عنق قلبها فتدميه وتجرحه 
ولو أنها قتلته لكان خيراً لها من تلك الحدةالتي تعلقها بين الألم وقوته ، وضعفها وقلة حيلتها 
ذهبت إلى المدرسة ، وخرجت الأم مع إحدى الصديقات المقربات وبينما وهي تتحدث عنها قالت لها بتجهم : إنني انجبت كارثه والويلُ لي من تلك الكارثه ، فإنها الجنون بذاته  تجلس على الطعام فتهمس تدخل غرفتها فتضحك وتلتقت يمينا ويساراً لتتمتم بكلمات اظنها شعوذه ..!!
ردت عليها تلك الصديقة مقترحه : اذهبي بها إلى طبيب نفسي 
رمقتها بتلك النظره الساخره : وهل آنتهت كل أعمالي حتى اذهب بابنة الأحمق إلى الطبيب النفسي 
قاطعتها الصديقة قائلة : أظنها من أحشائك خرجت 
وحينما كانت بداخلك كانت تتغذى منك كيف تتحدثين هكذا لا اعلم 
عذر إن كان كلامي جارح لك ، لكن الجراح والأخطاء التي تلقينها على عاتق ابنتك أشد ألماً  وأكثر وجعاً 
كادت الام ان تنفجر غيظاً على تلك الصديقة التي تخبرها بالحقيقة والتي لا تودّ أن تسمعها ابداً ، وعلى ابنتها ان تتحمل هي الاخطاء وتحملها على عاتقها حتى ينحني ظهرها منها وينقصم 
تلك الام التي اقسمت أن تقتل كل حب لابنتها في اعماقها وان تجعلها في منفى عنها و في قبر الوحدة تٌسكنها 
تُدثرها بموسيقى كلماتها المؤذية وتغني لها لحن الألم ببشاعة وقعه على اذنها 
مضت السنوات وحال حنان حرك الريبة والشك في اعماق والدتها ، ليس حُباً لها اوْ خوفاً عليها بل خوفاً عليها من تلك الكارثة التي انجبتها ، فالجنون يقود إلى مالا عقلَ فيه 
ذهبت بها ذات يوم إلى أحدى عيادات الطب النفسي فاستقبلتها الطبيبه بملامح تفيضُ بالطف
وطلبت منها التوجهه إلى الغرفة اما والدتها عليها الانتظار خارجاً ، وتبادلت أطراف الحديث معها ثم وجهت لها الطبيبة سؤلاً : مع من تتحدثين أيمكنك اخباري ؟
ابتسمت حنان وهي تشعر بالفخر فقالت : أمي إنها تجلس الآن بجانبي 
سكتت الطبيبة قليلاً ثم استجمع كلماتها التي خارت قوتها من شدة دهشتها ليس من الجواب فالكثير من الغريب يمرُ بها بل ما أدهشها هو الشعور النابع من عمق حنان الذي يتحدى الواقع بقوة !
فقالتوالدتك في الخارج ، أتريدين منها المجيء
طأطأت احلام رأسها ثم صمتت صمتاً ظنت الطبيبة إنها بعده لن تتحدث وكأن هناك في أعماقها حدث الحطام الذي دمرّ كل شيء 
تبع صمتها الطويل تنهيدة مؤلمة بعدها عانقت تلك الأحرف شفاهها 
إنني أعيش ميته فروحي قد فارقت هذا العالم من زمن وأمي تلك التي في الخارج ماهي إلا امام من هم مثلك إما انا فأمي قد ماتت منذ زمن قد رحلت وتركتني وحيده ، تجردت من حبها لي ولكي لا أتألم أكثر قد جعلت غرفتي لها قبراً تأويه 
أمي ماتت منذ اللحظة التي أعدمتني فيها اللحظة التي وضعت على عنقي حبال الذنوب والخطايا منذ اللحظة التي كنتُ فيها الكارثة التي حلت بها 
ألا ترين بماذا تتفوه وتقول امي انجبتني سوء حظ في حياتها وخطيئه في عالمها وذنب لن تغفره ابداَ
ثم خرجت دون ان تسمع لتلك الطبيبة لحقتها الأم لكنها لم تستمع لها صعدت إلى السياره وأخذت بكي بكل ما اوتيت من قوه وليت لو ان في البكاء لنا دواء ..!
عادت الام إلى الطبيبة تسألها ماحدث لكنّ الطبيبة لم تجبها بشيء قالت لها فقط : اذهبي إليها وهي ستخبرك 
عادت حنان إلى المنزل 
أما الأم فقد كان تتفنن في أداء أغاني الجراح وتلك الكلمات التي أشبه بالسيف 
اغلقت حنان غرفتها ولم تدع أحد أن يدخل إليها باتت وحيده في أحضان تلك الأم التي صنعتها من نسيج خيالها بكت وإليها اشتكت لكنّ الصمت قد ألجم كلّ شيء 
احضرت قلم وورقة ثم كتبت 
أمي انجبتني كارثه وأقسمت أننا مصابه بالجنون ، حملتني الخطايا والذنوب 
ولدتني حقاَ لكنك أنت القاتلة التي انتزعت منّي الحياه ، أتريدين أن تعلمين من أصابني بالجنون ومن هي تلك التي لاتفارقني صباح مساء أمي  وإن كنت تتسائلين أهي أنت تلك الأم بالطبع لا ..لا فأنت قد رحلت منذ زمن وقبرك هي غرفتك .. قد مت يأمي من حياتي وعليك السلام ..هكذا أنت أردت 
ثم تسللت إلى غرفة والدتها لتعلق الورقة على الباب وعادت إلى غرفتها بعدما فكرتْ مليّا ووجدت أن الموت هو السبيل لراحتها  قررت إن الحياه لم تعد ترحب بها فهي الكارثه العُظمى في حياة والدتها 
وفي الصباح ، حينما وجدت أمها تلك الورقة كان قد مضى على موت حنان 6 ساعات شنقاَ  
فقدت الحنان وترعت على عرش القسوه أميره بجدائل شعرها الجميلة وفاتنة بابتسامتها 
قد ماتت حنان وماذا ستفعلين أنت ياتلك الام استعضين أصابعك ندماَ ومنذ متى الندم يجلب لنا الراحلون 
رحلت حنان تاركه خلفها كل تلك الخطايا التي ليست فيها مذنبة 
وكم من آه عانقت شفاه حنان قبل رحيلها 
بقلم النسمة الرقيقة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق